تُعتبر المياه البيضاء، المعروفة طبيًا باسم إعتام عدسة العين (Cataract)، حالة شائعة جدًا تُصيب العين وتُؤثر على وضوح الرؤية. تُصيب هذه الحالة ملايين الأشخاص حول العالم، وتُعد السبب الرئيسي للعمى القابل للعلاج. تُشير المياه البيضاء إلى تغيّم أو إعتام في العدسة الطبيعية الشفافة الموجودة داخل العين، مما يُعيق مرور الضوء بشكل سليم إلى الشبكية، فينتج عنه رؤية ضبابية ومشوشة.
فهم العدسة وكيفية إعتامها
العدسة الطبيعية للعين شفافة تمامًا وتعمل كعدسة الكاميرا، حيث تقوم بتجميع الضوء وتركيزه على الشبكية في الجزء الخلفي من العين لتكوين صورة واضحة. تتكون هذه العدسة بشكل أساسي من الماء والبروتينات. مع التقدم في العمر، أو نتيجة لعوامل أخرى، تبدأ هذه البروتينات في التجمع والتكتل معًا، مما يُسبب ضبابية تدريجية في جزء من العدسة أو كلها. هذا الإعتام يُقلل من كمية الضوء التي تصل إلى الشبكية ويُشتتها، مما يُؤدي إلى ضعف في الرؤية.
أعراض المياه البيضاء في العين
تتطور أعراض المياه البيضاء عادةً بشكل تدريجي وغير مؤلم. في المراحل المبكرة، قد لا يلاحظ الشخص أي تغييرات كبيرة في رؤيته. ومع تقدم الحالة، تبدأ الأعراض في الظهور وتزداد سوءًا:
- ضبابية الرؤية: تُعد هذه من أولى وأبرز الأعراض، حيث تبدو الرؤية غائمة أو وكأن هناك ضبابًا أو غشاوة أمام العين.
- صعوبة الرؤية في الليل: قد يُصبح من الصعب القيادة ليلًا بسبب ضعف الرؤية وزيادة الوهج من المصابيح الأمامية.
- الحساسية للضوء والوهج: قد يشعر المريض بانزعاج من الأضواء الساطعة، وقد يرى هالات حول مصادر الضوء.
- بهتان الألوان: تبدو الألوان أقل حيوية أو باهتة، وقد يميل لون العدسة نفسها إلى الاصفرار أو البني في الحالات المتقدمة.
- تغيرات متكررة في وصفة النظارة: قد يجد الشخص نفسه بحاجة لتغيير قياسات النظارة الطبية بشكل متكرر.
- ازدواج الرؤية في عين واحدة: في بعض الحالات، قد يرى الشخص صورتين للشيء الواحد بعين واحدة.
- صعوبة القراءة: قد تُصبح الحروف غير واضحة ويصعب تمييزها.
أسباب المياه البيضاء
تتعدد أسباب إعتام عدسة العين، وأبرزها:
- التقدم في العمر: هذا هو السبب الأكثر شيوعًا، حيث تُصبح العدسة أقل مرونة وتتجمع البروتينات بها بشكل طبيعي مع التقدم في السن.
- الإصابات العينية: أي صدمة مباشرة للعين أو إصابة سابقة يمكن أن تُؤدي إلى ظهور المياه البيضاء.
- الأمراض المزمنة: مثل مرض السكري الذي يُعد عامل خطر رئيسي، وبعض أمراض الكلى، وارتفاع ضغط الدم.
- التعرض للأشعة فوق البنفسجية: التعرض المفرط والمزمن لأشعة الشمس دون حماية كافية للعين (مثل النظارات الشمسية).
- بعض الأدوية: خاصة الاستخدام طويل الأمد للكورتيكوستيرويدات (الكورتيزون) بجرعات عالية.
- التدخين واستهلاك الكحول: يُعتقد أنهما يُساهمان في زيادة خطر الإصابة.
- التاريخ العائلي: وجود حالات سابقة في العائلة يزيد من احتمالية الإصابة.
- المياه البيضاء الخلقية: تُولد بعض الأطفال بالمياه البيضاء نتيجة لعوامل وراثية أو عدوى أثناء الحمل.
علاج المياه البيضاء
الوسيلة الوحيدة الفعالة لعلاج المياه البيضاء هي الجراحة. لا توجد قطرات عين أو أدوية تُعالج إعتام عدسة العين. متى يُصبح التدخل الجراحي ضروريًا؟ عندما تُصبح المياه البيضاء كثيفة بما يكفي لتعيق الأنشطة اليومية للمريض، مثل القراءة أو القيادة.
تُعد جراحة المياه البيضاء من أكثر العمليات أمانًا ونجاحًا في الطب الحديث، وتُجرى عادةً باستخدام تقنية الفاكو (Phacoemulsification). في هذه العملية:
- يتم إجراء شق صغير جدًا في القرنية.
- يُدخل الجراح أداة رفيعة تُطلق موجات فوق صوتية لتفتيت العدسة المعتمة إلى قطع صغيرة.
- تُشفط هذه القطع خارج العين.
- تُزرع عدسة اصطناعية شفافة (IOL) داخل العين لتحل محل العدسة الطبيعية المُزالة. تُوجد أنواع مختلفة من العدسات الصناعية (أحادية البؤرة، متعددة البؤر، حيدية) لتناسب احتياجات الرؤية المختلفة للمريض.
رأي الدكتور نادر ممتاز
يُشدد الدكتور نادر ممتاز، أستاذ طب وجراحة العيون، على أهمية الكشف المبكر والمتابعة الدورية: "على الرغم من أن المياه البيضاء حالة شائعة مع التقدم في العمر، إلا أن الفحص المنتظم للعين يُمكننا من تشخيصها في مراحلها الأولى وتحديد التوقيت الأمثل للتدخل الجراحي. لا يجب تأجيل الجراحة دون مبرر طبي، فالمياه البيضاء تُصبح أكثر صلابة بمرور الوقت مما قد يُزيد من تعقيد العملية." ويُضيف الدكتور ممتاز: "بفضل التقنيات الجراحية المتطورة والعدسات الداخلية الحديثة، يُمكن للمرضى استعادة رؤية واضحة وتحسين جودة حياتهم بشكل كبير بعد الجراحة."
الفرق بين المياه البيضاء والمياه الزرقاء:
من المهم التفريق بين المياه البيضاء والمياه الزرقاء (الجلوكوما)، فهما حالتان مختلفتان تمامًا:
- المياه البيضاء: هي إعتام في عدسة العين.
- المياه الزرقاء (الجلوكوما): هي تلف في العصب البصري غالبًا بسبب ارتفاع ضغط العين. لكل منهما أسباب وأعراض وعلاج مختلف، ولا تتحول إحداهما إلى الأخرى، وإن كان المريض قد يُصاب بكلتا الحالتين في نفس الوقت.
إذا كنت تُلاحظ أي تغيرات في رؤيتك، فمن الضروري استشارة طبيب العيون المتخصص لتقييم حالتك وتحديد التشخيص والعلاج المناسب.
